فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
خَصلةٌ حسنةٌ حقُّها أنْ يُؤتسى بها كالثَّبات في الحرب ومقاساة الشَّدائد أو هو في نفسه قدوة يحق التأسّي به كقولك في البيضة عشرون منًّا حديدًا أي هي في نفسها هذا القدُر من الحديد وقُرئ بكسر الهمزة وهي لُغةٌ فيها {لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} أي ثوابَ الله أو لقاءَهُ أو أيَّامَ الله واليَّومَ الآخرَ خُصوصًا وقيل: هو مثلُ قولك أرجُو زيدًا وفضَله فإنَّ اليومَ الآخرَ من أيام الله تعالى ولمن كان صلة لحسنة أو صفة لها وقيل بدلٌ من لكُم والأكثرونَ على أنَّ ضميرَ المخاطب لا يُبدلُّ منه {وَذَكَرَ الله} أي وقَرن بالرَّجاء ذكَر الله {كَثيرًا} أي ذكرًا كَثيرًا أو زمانًا كَثيرًا فإنَّ المُثابرةَ على ذكره تعالى تُؤدّي إلى مُلازمة الطَّاعة وبها يتحقَّقُ الانتساءُ برسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الاحزاب} بيانٌ لما صدَر عن خُلَّص المؤمنينَ عند اشتباه الشؤون واختلاف الظُّنون بعد حكاية ما صدرَ عن غيرهم أي لمَّا شاهدُوهم حسبما وصفُوا لهم {قَالُوا هذا} مُشيرين إلى ما شاهدُوه من حيثُ هو غير أنْ يخطرَ ببالهم لفظٌ يدلُّ عليه فضلًا عن تذكيره وتأنيثه فإنَّهما من أحكام اللَّفظ كما مرَّ في قوله تعالى: {فَلَماَّ رَأَى الشمس بَازغَةًً قَالَ هذا رَبّى} وجعله إشارةً إلى الخطب أو البلاء من نتائج النَّظر الجليل فتدبَّر. نَعم يجوزُ التَّذكيرُ باعتبار الخبر الذي هُو {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} فإنَّ ذلكَ العُنوان أولُ ما يخطُر ببالهم عند المُشاهدة ومرادُهم بذلك ما وعدُوه بقوله تعالى: {أَمْ حَسبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة وَلَمَّا يَأْتكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قَبْلكُم مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء} إلى قوله تعالى: {أَلا إنَّ نَصْرَ الله قَريبٌ} وقوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «سيشتدُّ الأمرُ باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبةُ لكم عليهم» وقوله عليه الصَّلاةُ والسَّلام: «إنَّ الأحزابَ سائرونَ إليكُم بعدَ تسع ليالٍ أو عشرٍ». وقُرئ بكسر الرَّاء وفتح الهمزة {وَصَدَقَ الله وَرَسُولُهُ} أي ظهَر صدقُ خبر الله تعالى ورسوله أو صَدَقا في النُّصرة والثَّواب كما صَدَقا في البلاء وإظهار الاسم للتَّعظيم {وَمَا زَادَهُمْ} أي ما رَأَوه {إلاَّ إيمَانًا} بالله تعالى وبمواعيده {وَتَسْليمًا} لأوامره ومقاديره.
{منَ المؤمنين} أي المؤمنينَ بالإخلاص مُطلقًا لا الذينَ حُكيتْ محاسنُهم خاصَّة {رجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عَلَيْه} من الثَّبات مع الرَّسول عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ والمقاتلة لأعداء الدّين وهُم رجالٌ من الصَّحابة رضي الله عنهُم نذرُوا أنَّهم إذا لقُوا حربًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتُوا وقاتلُوا حتَّى يستشهدوا وهُم عثمانُ بنُ عفَّان وطلحةُ بنُ عُبيد اللَّه وسعيدُ بنُ زيد بن عمرو بن نفيلٍ وحمزةُ ومصعبُ بنُ عُميرٍ وأنسُ بنُ النَّضر وغيرُهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومعنى صَدَقُوا أَتَوا بالصّدق من صَدَقني إذا قال لك الصّدقَ. ومحل ما عاهدُوا النَّصبُ إمَّا بطرح الخافض عنه وإيصال الفعل إليه كما في قولهم: صَدَقني سنّ بكره أي في سنّه وإما بجعل المُعاهد عليه مصدُوقًا على المجاز كأنَّهم خاطبُوه خطابَ من قال لكرمائه:
نحرتني الأعداءُ إنْ لَم تنحري

وقالوا له: سنفي بك وحيث وفوا به فقد صدقُوه ولو كانُوا نكثُوه لكذبُوه ولكان مكذُوبًا {فَمنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ} تفصيلٌ لحال الصَّادقينَ وتقسيمٌ لهم إلى قسمين. والنَّحبُ النَّذرُ وهو أنْ يلتزمَ الإنسانُ شيئًا من أعماله ويُوجبه على نفسه، وقضاؤُه الفراغُ منه والوفاءُ به ومحلُّ الجارّ والمجرور الرَّفعُ على الابتداء على أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى: {وَمنَ الناس مَن يَقُولُ ءامَنَّا بالله} الآيةَ، أي فبعضُهم أو فبعضٌ منهُم مَن خرجَ عن العُهدة كحمزةَ ومصعب بن عميرٍ وأنس بن النَّضر عمّ أنس بن مالكٍ وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين فإنَّهم قد قضَوا نذورَهم سواء كانَ النَّذرُ على حقيقته بأنْ يكونَ ما نذرُوه أفعالَهم الاختياريةَ التي هي المقاتلةُ المغيَّاةُ بما ليسَ منها ولا يدخلُ تحتَ النَّذر وهو الموتُ شَهيدًا أو كان مُستعارًا لالتزامه على ما سيأتي.
{وَمنْهُمُ} أي وبعضُهم أو بعضٌ منهم {مَّن يَنتَظرُ} أي قضاءَ نحبه لكونه موقنًا كعثمانَ وطلحةَ وغيرهما ممَّن استُشهد بعد ذلك رضوانُ الله تعالى عليهم أجمعين فإنَّهم مستمرُّون على نذورهم قد قضَوا بعضَها وهو الثَّباتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتالُ إلى حين نزول الآية الكريمة ومنتظرونَ لقضاء بعضها الباقي وهو القتالُ إلى الموت شهيدًا. هذا ويجوزُ أنْ يكونَ النَّحبُ مُستعارًا لالتزام الموت شهيدًا إمَّا بتنزيل التزام أسبابه التي هي أفعالٌ اختياريَّةٌ للنَّاذر منزلةَ التزام نفسه وإمَّا بتنزيل نفسه منزلةَ أسبابه وإيراد الالتزام عليه وهو الأنسبُ بمقام المدح، وأيًا ما كان ففي وصفهم بالانتظار المُنبىء عن الرَّغبة في المنتظر شهادةٌ حقَّةٌ بكمال اشتياقهم إلى الشَّهادة، وأمَّا ما قيلَ من أنَّ النَّحبَ استُعير للموت لأنَّه كنذرٍ لازمٍ في رقبة كلّ حيوانٍ فمسخٌ للاستعارة وذهابٌ برونقها وإخراجٌ للنَّظم الكريم عن مُقتضى المقام بالكلّية {وَمَا بَدَّلُوا} عطفٌ على صدَقُوا وفاعلُه فاعلُه أي وما بدَّلُوا عهدَهم وما غيَّروه {تَبْديلًا} أي تبديلًا ما لا أصلًا ولا وصفًا بل ثبتُوا عليه راغبينَ فيه مُراعين لحقوقه على أحسن ما يكونُ، أمَّا الذينَ قضَوا فظاهرٌ وأما الباقُون فيشهدُ به انتظارُهم أصدقَ شهادةٍ وتعميمُ عدم التَّبديل للفريق الأول مع ظُهور حالهم للإيذان بمساواة الفريق الثَّاني لهُم في الحُكم ويجوزُ أنْ يكونَ ضميرُ بدَّلُوا للمنتظرينَ خاصَّة بناءً على أنَّ المحتاجَ إلى البيان حالُهم وقد رُوي أنَّ طلحةَ رضي الله عنه ثبتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومَ أحدٍ حتَّى أُصيبتْ يدُه فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أوجبَ طلحةُ الجنَّة» وفي رواية: «أوجبَ طلحةُ» وعنه عليه الصَّلاة والسَّلامُ في رواية جابرٍ رضي الله عنه: «مَن سرَّه أنْ ينظرَ إلى شهيدٍ يمشي على الأرض فلينظُر إلى طلحةَ بن عُبيد اللَّه» وفي رواية عائشةَ رضي الله عنها: «مَنْ سرَّه أنْ ينظرَ إلى شهيدٍ يمشي على الأرض وقد قضَى نحبَه فلينظُر إلى طلحةَ» وهذا يشيرُ إلى أنَّه من الأولينَ حُكمًا.
{لّيَجْزىَ الله الصادقين بصدْقهمْ} متعلقٌ بمضمرٍ مستأنفٍ مسوقٌ بطريق الفذلكة لبيان ما هُو داعٍ إلى وقوع ما حُكي من الأحوال والأقوال على التَّفصيل وغاية له كما مرَّ في قوله تعالى: {لّيَسْأَلَ الصادقين عَن صدْقهمْ} كأنَّه قيلَ: وقعَ جميعُ ما وقعَ ليجزيَ الله الصَّادقين بما صدرَ عنهُم من الصّدق والوفاء قولًا وفعلًا {وَيُعَذّبَ المنافقين} بما صدرَ عنهُم من الأعمال والأقوال المحكيَّة {إن شَاء} تعذيبَهم {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ} إنْ تابُوا وقيل: متعلّقٌ بما قبلَه من نفي التَّبديل المنطوق وإثباته المعرضَ به كأنَّ المُنافقين قصدُوا بالتَّبديل عاقبةَ السُّوء كما قصدَ المُخلصون بالثبات والوفاء العاقبةَ الحُسنى، وقيلَ: تعليلٌ لصدقُوا، وقيل: لما يُفهم من قوله تعالى: {وَمَا زَادَهُمْ إلاَّ إيمَانًا وَتَسْليمًا} وقيل: لما يُستفاد من قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الاحزاب} كأنَّه قيل: ابتلاهُم الله تعالى برؤية ذلك الخطب ليجزيَ الآيةَ فتأمَّل وبالله التَّوفيق. {إنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحيمًا} أي لمن تابَ وهُو اعتراضٌ فيه بعثٌ إلى التَّوبة. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
الظاهر أن الخطاب للمؤمنين الخلص المخاطبين من قبل في قوله تعالى: {عَنْ أَنبَائكُمْ} وقوله سبحانه: {وَلَوْ كَانُوا فيكُمْ}.
والأسوة بكسر الهمزة كما قرأ الجمهور وبضمها كما قرأ عاصم الخصلة، وقال الراغب: الحالة التي يكون عليها الإنسان وهي اسم كان و{لَكُمْ} الخبر و{فى رَسُول الله} متعلق بما تعلق به {لَكُمْ} أو في موضع من {أُسْوَةٌ} لأنه لو تأخر جاز أن يكون نعتًا لها أو متعلق بكان على مذهب من أجاز فيها ناقصة وفي أخواتها أن تعمل في الظرف، وجوز أن يكون في رسول الله الخبر ولكن تبيين أي أعني لكم أي والله لقد كان لكم في رسول الله خصلة حسنة من حقها أن يؤتسى ويقتدى بها كالثبات في الحرب ومقاساة الشدائد؛ ويجوز أن يراد بالأسوة القدوة بمعنى المقتدى على معنى هو صلى الله عليه وسلم في نفسه قدوة يحسن التأسي به، وفي الكلام صنعة التجريد وهو أن ينتزع من ذي صفة آخر مثله فيها مبالغة في الاتصاف نحو لقيت منه أسدًا وهو كما يكون بمعنى من يكون بمعنى في كقوله:
أراقت بنو مروان ظلمًا دماءنا ** وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل

وكقوله: في البيضة عشرون منا حديد أي هي في نفسها هذا القدر من الحديد، والآية وإن سيقت للاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أمر الحرب من الثبات ونحوه فهي عامة في كل أفعاله صلى الله عليه وسلم إذا لم يعلم أنها من خصوصياته كنكاح ما فوق أربع نسوة؛ أخرج ابن ماجه.
وابن أبي حاتم عن حفص بن عاصم قال: قلت لعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما رأيتك في السفر لا تصلي قبل الصلاة ولا بعدها فقال يا ابن أخي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا فلم أره يصلي قبل الصلاة ولا بعدها ويقول الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قتادة قال: هم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن ينهى عن الحبرة فقال رجل: أليس قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها؟ قال عمر: بلى قال الرجل: ألم يقل الله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فترك ذلك عمر رضي الله تعالى عنه.
وأخرج الشيخان والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن ابن عمر أنه سئل عن رجل معتمر طاف بالبيت أيقع على امرأته قبل أن يطوف بين الصفا والمروة فقال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وصلى خلف المقام ركعتين وسعى بين الصفا والمروة ثم قرأ: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
وأخرج الشيخان وغيرهما عن ابن عباس قال: إذا حرم الرجل عليه امرأته فهو يمين يكفرها، وقال: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُول الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} إلى غير ذلك من الاخبار، وتمام الكلام في كتب الأصول.
{لّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليوم الآخر} أي يؤمل الله تعالى وثوابه كما يرمز إليه أثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وعليه يكون قد وضع {اليوم الآخر} بمعنى يوم القيامة موضع الثواب لأن ثوابه تعالى يقع فيه فهو على ما قال الطيبي من إطلاق اسم المحل على الحال، والكلام نحو قولك: أرجو زيدًا وكرمه مما يكون ذكر المعطوف عليه فيه توطئة للمعطوف وهو المقصود وفيه من الحسن والبلاغة ما ليس في قولك: أرجو زيدًا كرمه على البدلية: وقال صاحب الفرائد، يمكن أن يكون التقدير يرجو رحمة الله أو رضا الله وثواب اليوم الآخر ففي الكلام مضا فإن مقدران، وعن مقاتل أي يخشى الله تعالى ويخشى البعث الذي فيه جزاء الأعمال على أنه وضع اليوم الآخر موضع البعث لأنه يكون فيه، والرجاء عليه بمعنى الخوف، ومتعلق الرجاء بأي معنى كان أمر من جنس المعاني لأنه لا يتعلق بالذوات، وقدر بعضهم المضاف إلى الاسم الجليل لفظ أيام مرادًا بها الوقائع فإن اليوم يطلق على ما يقع فيه من الحروب والحوادث واشتهر في هذا حتى صار بمنزلة الحقيقة وجعل قرينة هذا التقدير المعطوف وجعل العف من عطف الخاص على العام، والظاهر أن الرجاء على هذا بمعنى الخوف، وجوز أن يكون الكلام عليه كقوله: أرجو زيدًا وكرمه وأن يكون الرجاء فيه بمعنى الأمل إن أريد ما في اليوم من النصر والثواب، وأن يكون بمعنى الخوف والأمل معًا بناء على جواز استعمال اللفظ في معنييه أو في حقيقته ومجازه وإرادة ما يقع فيه من الملائم والمنافر، وعندي أن تقدير أيام غير متبادر إلى الفهم، وفسر بعضهم {اليوم الآخر} بيوم السياق والمتبادر منه يوم القيامة و{منْ} على ما قيل بدل من ضمير الخطاب في {لَكُمْ} وأعيد العامل للتأكيد وهو بدل كل من كل والفائدة فيه الحث على التأسي، وإبدال الاسم الظاهر من ضمير المخاطب هذا الإبدال جائز عند الكوفيين والأخفش، ويدل عليه قوله:
بكم قريش كفينا كل معضلة ** وأم نهج الهدى من كان ضليلًا

ومنع ذلك جمهور البصريين: ومن هنا قال صاحب التقريب، هو بدل اشتمال أو بدل بعض من كل، ولا يتسنى إلا على القول بأن الخطاب عام وهو مخالف للظاهر كما سمعت، ومع هذا يحتاج إلى تقدير منكم، وقال أبو البقاء: يجوز أن يكون لمن متعلقًا بحسنة أو بمحذوف وقع صفة لها لأنه وقع بعد نكرة، وقيل: يجوز أن يكون صفة لأسوة.
وتعقب بأن المصدر الموصوف لا يعمل فيما بعد وصفه، وكذا تعدد الوصف بدون العطف لا يصح، وقد صرح بمنع ذلك الإمام الواحدي، ولا يخفى أن المسألة خلافية فلا تغفل.
{وَذَكَرَ الله كَثيرًا} أي ذكرًا كثيرًا وقرن سبحانه بالرجاء كثرة الذكر لأن المثابرة على كثرة ذكره عز وجل تؤدى إلى ملازمة الطاعة وبها يتحقق الائتساء برسول الله صلى الله عليه وسلم ومما ينبغي أن يعلم أنه قد صرح بعض الأجلة كالنووي إن ذكر الله تعالى المعتبر شرعًا ما يكون في ضمن جملة مفيدة كسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ونحو ذلك وما لا يكون بمفرد لا يعد شرعًا ذكرًا نحو الله أو قادر أو سميع أو بصير إذا لم يقدر هناك ما يصير به اللفظ كلامًا، والناس عن هذا غافلون، وأنهم أجمعوا على أن الذكر المتبعد بمعناه لا يثاب صاحبه ما لم يستحضر معناه فالمتلفظ بنحو سبحان الله ولا إله إلا الله إذا كان غافلًا عن المعنى غير ملاحظ له ومستحضرًا إياه لا يثاب إجماعًا، والناس أيضًا عن هذا غافلون فإنا لله وإنا إليه راجعون.
{وَلَمَّا رَأَى المؤمنون الاحزاب} بيان لما صدر عن خلص المؤمنين عند اشتباه الشؤن واختلاط الظنون بعد حكاية ما صدر عن غيرهم أي لما شاهدوهم حسبما وصفوا لهم {قَالُوا هذا} إشارة عند المحققين إلى ما شاهدوه من غير أن يخطر ببالهم لفظ يدل عليه فضلًا عن تذكيره وتأنيثه فإنهما من أحكام اللفظ نعم يجوز التذكير باعتبار الخبر الذي هو {مَّا وَعَدَنَا الله وَرَسُولُهُ} فإن ذلك العنوان أول ما يخظر ببالهم عند المشاهدة.
وعند الأكثر إشارة إلى الخطب والبلاء، وما موصولة عائدها محذوف وهو المفعول الثاني لوعد أي الذي وعدناه الله، وجوز أن تكون مصدرية أي هذا وعد الله تعالى ورسوله إيانًا وأرادوا بذلك ما تضمنه قوله تعالى في سورة البقرة: {أَمْ حَسبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الجنة وَلَمَّا يَأْتكُم مَّثَلُ الذين خَلَوْا من قَبْلكُم مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء} [البقرة: 4 21] كما أخرج ذلك ابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأخرجه جماعة عن قتادة أيضًا ونزلت آية البقرة قبل الواقعة بحول على ما أخرجه جويبر عن الضحاك عن الحبر رضي الله تعالى عنه.
وفي البحر عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم تسعًا أو عشرًا أي في آخر تسع ليال أو عشر أي من وقت الأخبار أو من غرة الشهر فلما رأوهم قد اقبلوا للميعاد قالوا ذلك فمرادهم بذلك ما وعد بهذا الخبر وتعقبه ابن حجر بأنه لم يوجد في كتب الحديث.